في السنوات الأخيرة تصدّر مصطلح الميتافيرس المشهد التقني والإعلامي باعتباره أحد أكثر المفاهيم إثارة للجدل والحماس على حد سواء. وسط طوفان من التقنيات المتطورة مثل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي وتقنيات البلوك تشين، برز الميتافيرس كفكرة طموحة لخلق عالم رقمي متكامل يعيش فيه المستخدمون بهويات رقمية، ويعملون ويتفاعلون ويتبادلون الأصول الإفتراضية ضمن بيئة جديدة تماماً لا تفصلها حدود بين الخيال والواقع.
كل ما تحتاج معرفته عن الميتافيرس
الميتافيرس ليس مجرد حلم بعيد أو فكرة خيالية في عقول المبتكرين، بل هو إمتداد طبيعي للثورة الرقمية التي بدأت مع الإنترنت وصولاً إلى عالمنا اليوم. ومع استثمارات ضخمة من شركات عملاقة مثل ميتا ومايكروسوفت وأبل، أصبح هذا العالم الرقمي البديل مشروعاً حقيقياً يتم بناء قواعده بشكل تدريجي. في هذا المقال سنأخذك في رحلة شاملة وعميقة لفهم الميتافيرسمن جذوره وحتى مستقبله، لنكشف كيف سيؤثر على عملك، تعليمك، وحتى أسلوب حياتك بالكامل.
ما هو الميتافيرس؟
الميتافيرس ببساطة هو عالم رقمي متكامل، أو بالأحرى شبكة من العوالم الإفتراضية المتصلة، حيث يستطيع الأشخاص التفاعل والعمل واللعب والتجارة عبر شخصياتهم الرقمية. هو ليس مجرد لعبة أو منصة منفصلة، بل بيئة افتراضية شاملة تربط بين منصات متعددة، وتدمج تقنيات عديدة مثل الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز AR والذكاء الاصطناعي AI وتقنيات البلوك تشين والعملات الرقمية.
لفهم الميتافيرس بشكل عميق، علينا أولاً العودة إلى أصل الكلمة الذي يعود إلى رواية "Snow Crash" التي كتبها "نيل ستيفنسون" عام 1992. في هذه الرواية تخيَّل الكاتِب عالماً افتراضياً موازياً للعالم الواقعي، يستطيع البشر دخوله والتفاعل داخله باستخدام شخصيات رقمية تُعرَف باسم "الأفاتارات". هذا الخيال الأدبي الذي بدى يوماً ما بعيد المنال، أصبح اليوم أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى.
بعكس الإنترنت التقليدي الذي نتصفحه عبر شاشات ثنائية الأبعاد، فإن الميتافيرس يوفر تجربة غامرة ثلاثية الأبعاد، حيث ينتقل المستخدمون داخل مساحات افتراضية بأبعادها الطبيعية ويتفاعلون مع المحتوى الرقمي وكأنه جزء من الواقع الملموس. تخيل أنك تحضر اجتماعاً مع زملائك من مختلف أنحاء العالم في غرفة اجتماعات إفتراضية ثلاثية الأبعاد بدلاً من مكالمة زوم تقليدية، أو تتجول في مركز تجاري رقمي لتجربة الملابس قبل شرائها.
ما يُميز الميتافيرس أنه ليس بيئة واحدة مغلقة، بل نظام بيئي متعدد المنصات، حيث يمكن نقل شخصيتك الإفتراضية وأصولك الرقمية من منصة إلى أخرى، مما يخلق اقتصاداً رقمياً جديداً يعتمد على الأصول الإفتراضية والملكية الرقمية، وهو ما يُعرَف بمفهوم "اللامركزية" المُستنِد إلى تكنولوجيا البلوك تشين.
الفرق الأساسي بين الإنترنت الحالي والميتافيرس يَكمُن في طبيعة التفاعل. الإنترنت اليوم يسمح لك بمشاهدة المحتوى والنقر عليه، أما في الميتافيرس فأنت تصبح جزءاً من المحتوى نفسه، تتفاعل معه بكل حواسك. أنت لا تتصفح متجراً إلكترونياً، بل تمشي داخله وتُشاهد المنتجات وكأنها في عالمك الحقيقي. هذا التغيير الجذري في تجربة المستخدم هو ما يجعل الميتافيرس الثورة القادمة التي ستُعيد تعريف علاقتنا بالتكنولوجيا.
الميتافيرس أيضاً ليس فكرة جديدة تماماً، فقد رأينا ملامحه الأولية في الألعاب متعددة اللاعبين مثل "Second Life" و"Roblox" و"Fortnite"، حيث يعيش اللاعبون بشخصيات رقمية ويُؤسسون إقتصادات صغيرة داخل العوالم الإفتراضية. الفارق هنا أن الميتافيرس المستقبلي سيكون أكبر وأشمل وأكثر ترابطاً، حيث يمتد ليشمل مجالات التعليم، الأعمال، الرعاية الصحية، الترفيه وحتى السياسة.
اليوم، الميتافيرس في مراحله المبكرة لكنه يحظى بدعم استثنائي من الشركات الكبرى مثل Meta وMicrosoft وGoogle، التي تستثمر بقوة في بناء البنية التحتية التقنية اللازمة لهذا العالم الجديد.
الميتافيرس هو دمج بين العالمين الواقعي والإفتراضي، يُتيح لنا تجربة رقمية متكاملة وهو التطور الطبيعي لعصر الإنترنت، حيث تنتقل التجربة من شاشات ثنائية الأبعاد إلى مساحات تفاعلية ثلاثية الأبعاد تُعيد تعريف كل شيء نعرفه عن العمل والتواصل والإقتصاد والترفيه.
تاريخ وتطور الميتافيرس
رغم أن المصطلح حديث نسبياً، إلا أن فكرة العوالم الإفتراضية ليست وليدة اليوم. بدايات الميتافيرس يمكن تتبُّعها إلى ثمانينيات القرن الماضي، مع تطور أولى الألعاب متعددة اللاعبين التي أتاحت للاعبين التفاعل عبر شخصيات افتراضية في بيئات رقمية.
المرحلة الأولى كانت بسيطة، حيث اعتمدت هذه العوالم على رسومات بدائية وتفاعل محدود. مع تقدم التكنولوجيا وتحديداً ظهور الإنترنت السريع وتقنيات الجرافيكس ثلاثية الأبعاد، بدأت العوالم الإفتراضية تأخذ طابعاً أكثر تطوراً. لعبة "Second Life" التي أطلقت في 2003، تعتبر من أوائل المنصات التي اقتربت من مفهوم الميتافيرس الحديث، حيث أتاحت للاعبين بناء حياة رقمية متكاملة تشمل العمل والعلاقات الاجتماعية والتجارة.
لكن الثورة الحقيقية بدأت في العقد الأخير، مع تقدم تقنيات الواقع الإفتراضي والواقع المعزز. أجهزة مثل Oculus Rift وHTC Vive فتحت الباب أمام تجارب غامرة غير مسبوقة، حيث أصبح بالإمكان دخول عوالم رقمية والتفاعل معها بجسدك وليس فقط عبر لوحة المفاتيح والفأرة.
ومع تطور تقنيات البلوك تشين والعملات الرقمية، ظهر بُعد إقتصادي جديد للميتافيرس، حيث أصبح بالإمكان إمتلاك أصول رقمية فريدة (NFTs) وتداولها داخل هذه العوالم. هذا المزيج بين التجربة الغامرة والإقتصاد الرقمي هو ما يميز الميتافيرس الحديث عن أي تجربة افتراضية سابقة.
دخول فيسبوك بقوة إلى هذا المجال في 2021 وتغيير إسمها إلى "ميتا"، كان نقطة تحوُّل رئيسية. الشركة أعلنت استثمارها مليارات الدولارات في تطوير الميتافيرس بهدف بناء عالم رقمي متكامل للعمل والترفيه والتجارة، مما دفع بقية الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وجوجل إلى دخول السباق بقوة.
اليوم الميتافيرس لم يَعُد مجرد فكرة خيالية، بل مشروع عالمي تتنافس عليه أكبر العقول والشركات، وهو في طريقه ليصبح جزءاً أساسياً من حياة البشر في العقود القادمة.
مكونات الميتافيرس
الميتافيرس ليس مجرد فكرة خيالية، بل هو كيان رقمي مُعقَّد يقوم على مجموعة من التقنيات المتكاملة التي تعمل بتناغم لتوفير تلك البيئة الإفتراضية الغامرة. لفهم كيف يعمل هذا العالم الجديد، علينا الغوص في أبرز المكونات التكنولوجية التي تُشكّل بنيته الأساسية.
1- الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز AR
في قلب تجربة الميتافيرس نجد تقنيات الواقع الإفتراضي والواقع المعزز. الواقع الإفتراضي VR يُتيح للمستخدم دخول عالم رقمي بالكامل عبر نظارات خاصة مثل Meta Quest أو HTC Vive، حيث ينفصل تماماً عن محيطه الواقعي ليجد نفسه في فضاء رقمي متكامل. أما الواقع المعزز AR فيضيف طبقة رقمية على العالم الحقيقي، كما نرى في ألعاب مثل Pokémon GO، حيث تظهر العناصر الرقمية وكأنها جزء من الواقع المحيط.
هذان العالمان يتكاملان داخل الميتافيرس، حيث قد يجد المستخدم نفسه ينتقل بين تجربة افتراضية بالكامل وأخرى مدمجة مع الواقع، خاصة مع تطور الأجهزة المحمولة والنظارات الذكية.
2- الذكاء الاصطناعي AI
الميتافيرس يعتمد على الذكاء الاصطناعي في أكثر من جانب. على مستوى الشخصيات غير الحقيقية (NPCs)، يوفر الذكاء الاصطناعي شخصيات افتراضية قادرة على التفاعل الذكي مع المستخدمين، سواء كانوا مُساعدين افتراضيين، أو شخصيات في ألعاب أو حتى موظفي خدمة عملاء داخل متاجر رقمية.
الذكاء الإصطناعي أيضاً يلعب دوراً رئيسياً في تحليل تفضيلات المستخدمين وتخصيص التجارب الرقمية وفقاً لاحتياجاتهم، مما يجعل كل تجربة داخل الميتافيرس فريدة وشخصية.
3- البلوك تشين والعملات الرقمية
لفهم الإقتصاد داخل الميتافيرس، لا بد من التطرق إلى دور البلوك تشين والعملات الرقمية. البلوك تشين توفر بنية تحتية لامركزية لتسجيل ملكية الأصول الرقمية مثل الملابس الإفتراضية، العقارات الرقمية، وحتى الهوية الرقمية للمستخدم.
من خلال تقنية NFTs (الرموز غير القابلة للاستبدال)، يستطيع المستخدمون امتلاك عناصر فريدة داخل الميتافيرس، ويمكنهم بيعها أو تأجيرها أو استخدامها عبر منصات متعددة. هذه الملكية الرقمية تفتح الباب لاقتصاد إفتراضي مزدهر، حيث يصبح لكل شيء داخل الميتافيرس قيمة حقيقية.
4- إنترنت الأشياء IoT
مع تقدم تقنيات إنترنت الأشياء، سيصبح الميتافيرس أكثر اتصالاً بالعالم الواقعي. تخيل أن الأجهزة الذكية في منزلك - مثل الثلاجة أو الساعة الذكية - تستطيع إرسال بيانات إلى شخصيتك الإفتراضية داخل الميتافيرس، مما يسمح لك بإدارة عالمك الحقيقي من خلال العالم الإفتراضي.
هذا التكامل بين الرقمي والواقعي سيعزز مفهوم "التوأم الرقمي"، حيث يكون لكل شيء في الواقع نظير رقمي داخل الميتافيرس.
5- منصات التواصل الإجتماعي المتقدمة
الميتافيرس هو الإمتداد الطبيعي لمنصات التواصل الإجتماعي. بدلاً من التفاعل عبر النصوص والصور، سننتقل إلى بيئات تفاعلية ثلاثية الأبعاد، حيث نجتمع بأصدقائنا في غرف رقمية مخصصة، أو نحضر حفلات موسيقية حية داخل فضاءات إفتراضية، أو نُشارك في معارض فنية رقمية، وكل ذلك عبر شخصياتنا الإفتراضية (Avatars) التي تُعبّر عن هويتنا الرقمية.
6- تقنيات الحوسبة السحابية
الحجم الهائل للبيانات والمعالجة التي يتطلبها تشغيل الميتافيرس يجعل الحوسبة السحابية عنصراً أساسياً في بنيته. الشركات الكبرى تعتمد على بنية تحتية سحابية متطورة لتوفير الأداء السلس وتخزين الأصول الرقمية، وضمان قدرة ملايين المستخدمين على التفاعل في الوقت الفعلي داخل بيئات إفتراضية ضخمة.
تطبيقات الميتافيرس وتأثيرها على الحياة اليومية
الميتافيرس ليس مجرد فضاء للترفيه، بل هو منصة متعددة الإستخدامات ستُغير جذرياً العديد من القطاعات:
التعليم والتدريب: بدلاً من حضور المحاضرات عبر برنامج Zoom، تخيل الدخول إلى قاعة افتراضية تُحاكي القاعات الحقيقية تماماً، حيث يُمكنك التفاعل مع زملائك ومع الأدوات الرقمية بيديك. في المهن المتخصصة مثل الطب والهندسة يمكن إستخدام الميتافيرس لتوفير تجارب تدريبية تُحاكي الواقع بشكل مذهل.
العمل عن بُعد: الميتافيرس سيُغير مفهوم المكاتب التقليدية. بدلاً من العمل عبر واجهات مسطحة، ستتمكن الفرق من الإجتماع في مساحات افتراضية ثلاثية الأبعاد، حيث يمكن التفاعل مع المستندات والنماذج وكأنها حقيقية. هذا سيجعل العمل عن بُعد أكثر فاعلية وإنتاجية.
التجارة الإلكترونية: المتاجر الإلكترونية في الميتافيرس ستوفر تجربة تسوق غامرة، حيث يمكنك زيارة متجر افتراضي وتجربة الملابس عبر شخصيتك الرقمية، والتحدث مع موظفين إفتراضيين للحصول على استشارات مباشرة قبل الشراء.
الترفيه والألعاب: الميتافيرس هو الجيل القادم من الألعاب، حيث ستتحول الألعاب إلى عوالم مفتوحة مترابطة، ويمكن للاعبين التنقل بين الألعاب المختلفة عبر شخصياتهم وأصولهم الرقمية.
الرعاية الصحية: في قطاع الصحة يمكن للميتافيرس توفير منصات علاجية متقدمة تشمل جلسات علاج نفسي افتراضية أو تدريبات إعادة التأهيل، أو حتى تشخيصات طبية تتم عبر أطباء إفتراضيين.
السياحة الإفتراضية: حتى السياحة ستتأثر، حيث يمكن للأشخاص زيارة أماكن تاريخية أو وجهات سياحية عبر جولات إفتراضية تفاعلية، مع مرشدين افتراضيين يُقدّمون المعلومات في الوقت الحقيقي.
التحديات والمخاطر
رغم الإمكانات الهائلة والطموحات الكبيرة التي تُحيط بمفهوم الميتافيرس، إلا أن هذا العالم الإفتراضي الناشئ لا يخلو من تحديات عميقة ومخاطر معقدة قد تُشكل عقبات حقيقية أمام تطوره وتبنّيه الواسع في المستقبل. فمع كل تقنية جديدة تأتي مجموعة من المخاوف المرتبطة بها، وخاصة عندما يتعلق الأمر ببيئة رقمية مترابطة بشكل غير مسبوق، تدمج بين الواقع الإفتراضي والهويات الرقمية والإقتصاديات الإفتراضية. ويمكن القول أن أبرز هذه التحديات تتمحور حول الخصوصية والأمان، والإدمان الرقمي، والهوية الرقمية، والاحتكار التقني.
1. الخصوصية والأمان في بيئة بلا حدود
في عالم يعتمد على البيانات والتفاعلات المباشرة بين المستخدمين، تتحول الخصوصية إلى واحدة من أخطر القضايا وأكثرها تعقيداً. في الميتافيرس كل خطوة تقوم بها، كل حركة، كل تفاعل، وحتى النظرات والإيماءات يمكن جمعها وتحليلها. تقنيات تتبُّع الحركة والواقع الإفتراضي تُسجِّل كل شيء، ليس فقط سلوكك الرقمي، بل أيضاً أنماط جسدك وردود أفعالك النفسية. السؤال الذي يطرح نفسه: من يمتلك هذه البيانات؟ وكيف يمكن ضمان ألا تُستَخدم بطرق تؤثر على حريات المستخدمين وخصوصياتهم الشخصية؟ اليوم حتى في الإنترنت التقليدي، نواجه أزمة ثقة مع المنصات الكبرى بسبب تسريب البيانات واستغلالها لأغراض تجارية. في بيئة الميتافيرس هذا الخطر سيتضاعف، لأن حجم البيانات ونوعيتها سيكونان أعمق وأكثر إلتصاقاً بحياتنا الشخصية.
2. الإدمان الرقمي والهروب من الواقع
الميتافيرس بيئة غامرة بالكامل، حيث يمكن لأي شخص خلق نسخة مُحسَّنة من ذاته والعيش في عوالم مُصمّمة وفق رغباته وأحلامه. هذا المستوى من الإنغماس يطرح مشكلة إدمانية خطيرة خاصةً لدى الفئات الأصغر سناً أو الأفراد الذين يُعانون من ضغوط نفسية أو إجتماعية. هل سيصبح الميتافيرس مجرد ملاذ للهروب من الواقع؟ وهل سنجد أنفسنا أمام جيل جديد يعاني من انفصال كامل بين حياته الواقعية وحياته الإفتراضية؟ هذه المخاوف ليست نظرية، بل بدأت تظهر بالفعل مع بعض الألعاب والمنصات الإفتراضية اليوم، مثل الألعاب الجماعية وألعاب الواقع الإفتراضي التي دفعت البعض لقضاء ساعات طويلة على حساب حياتهم الحقيقية.
3. الهوية الرقمية وإشكالية التزييف
في الميتافيرس الهوية الرقمية ستكون جزءاً أساسياً من تجربة المستخدم. سيكون لكل شخص أفاتار (Avatar) يُمثّل شخصيته، ويمارس حياته من خلاله في هذا العالم الإفتراضي. لكن كيف يمكن ضمان أن هذه الهوية الرقمية تعكس هوية حقيقية؟ كيف نمنع التلاعب أو انتحال الشخصيات أو خلق هويات مزيفة بالكامل؟ هذا التحدي يمتد ليشمل الجوانب القانونية أيضاً: إذا تعرض شخص ما للإحتيال أو الإساءة في الميتافيرس، كيف ستتم محاسبته؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ مع غياب أُطر قانونية واضحة فإن الهوية الرقمية ستظل نقطة ضعف خطيرة.
4. الإحتكار التقني وغياب المنافسة
الميتافيرس ليس مجرد مشروع تقني عشوائي، بل هو مساحة تتنافس عليها الشركات التكنولوجية الكبرى، مثل ميتا (فيسبوك سابقًا)، ومايكروسوفت، وأبل، وغيرها. هذه الشركات تستثمر مليارات الدولارات في بناء البنية التحتية وتطوير المنصات والأجهزة التي تُتيح الوصول إلى هذا العالم. وهذا يُثير مخاوف من أن الميتافيرس قد يصبح محتكراً بالكامل من قِبَل حفنة من الشركات الكبرى، مما يعني أن القواعد والقوانين التي تَحكُم هذا العالم ستكون خاضعة لمصالح هذه الشركات وليس لمصلحة المستخدمين. مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى إحتكار إقتصادي وثقافي داخل الميتافيرس، حيث تصبح حرية الإبتكار والمنافسة مُقيَّدة بشكل كبير.
5. التشريعات والقوانين في عالم بلا حدود
الميتافيرس عالم عابر للحدود الجغرافية، لا يعترف بالقوانين المحلية أو التنظيمات الوطنية. هذه الطبيعة العابرة للحدود تطرح تحديات قانونية وتنظيمية معقدة. كيف يمكن تنظيم المعاملات المالية؟ من يراقب المحتوى؟ من يحدد ما هو قانوني وما هو غير قانوني في بيئة افتراضية؟ هذه الأسئلة المفتوحة تجعل المُشرّعين في العالم كله في حالة حيرة، خصوصاً أن التشريعات الرقمية الحالية غير مُهيأة للتعامل مع فضاء بحجم وتعقيد الميتافيرس.
6. التأثير النفسي والإجتماعي
التواجد المكثف في بيئة افتراضية قد يُعيد تشكيل العلاقات الإجتماعية بطرق لا يمكن توقعها اليوم. كيف ستتأثر العلاقات الأسرية؟ وهل سيُعزز الميتافيرس عزلة اجتماعية أم أنه سيكون جسراً للتواصل الثقافي؟ الدراسات الأولية تُشير إلى أن الإنعزال الرقمي الطويل في بيئات افتراضية قد يؤثر على الصحة النفسية، ويؤدي إلى مشاكل مثل الإكتئاب واضطرابات الهوية.
في النهاية، يمكن القول بأن الميتافيرس ليس مجرد موضة عابرة في عالم التقنية، بل هو تَحوُّل جوهري قد يُعيد تشكيل الطريقة التي نعيش بها حياتنا الرقمية والمادية معاً. وبينما لا يزال الطريق طويلاً قبل أن يصبح الميتافيرس واقعاً متكاملاً، فإن ملامحه الأولى بدأت تتشكّل بالفعل عبر التطبيقات والمنصات التي نستخدمها اليوم. ومع تضافر جهود الشركات الكبرى والمطورين المستقلين ورواد الأعمال، يبدو أن هذا الفضاء الإفتراضي العملاق سيفتح أبواباً جديدة للابتكار والعمل والترفيه، وحتى التعليم.
إذا كنت مهتماً بمواكبة كل جديد حول الميتافيرس وتطوراته المستقبلية، فلا تتردد في متابعة موقعنا لحظات تقنية أولاً بأول. كما ندعوك لمشاركة رأيك حول هذا المفهوم الثوري في التعليقات أدناه: هل ترى فيه فرصة ذهبية للمستقبل أم أنه مجرد فقاعة تقنية ستزول مع الوقت؟ شاركنا وجهة نظرك لنُثري النقاش معاً.
أسئلة شائعة
الميتافيرس هو عالم رقمي افتراضي متكامل يجمع بين تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، ليُتيح للمستخدمين التفاعل والعمل والتسوق واللعب وحتى بناء مجتمعات افتراضية باستخدام شخصيات رقمية تمثلهم (الأفاتار). يمكن اعتباره النسخة المستقبلية المتطورة من الإنترنت، حيث يصبح كل شيء تفاعلياً وثلاثي الأبعاد، بدلاً من مجرد تصفح صفحات ومواقع تقليدية.
العالم الافتراضي يُشير عادة إلى بيئات رقمية محددة، مثل ألعاب الفيديو أو تطبيقات محاكاة الواقع، حيث يدخل المستخدم إلى مساحة افتراضية مغلقة. أما الميتافيرس فهو مفهوم أشمل وأكبر بكثير، يتضمن عوالم افتراضية مترابطة، حيث يمكن للمستخدمين التنقل بين تجارب مختلفة بسلاسة باستخدام شخصية رقمية موحدة. الميتافيرس يشبه كوناً رقمياً متكاملاً، بينما العالم الافتراضي مجرد "جزيرة" واحدة ضمن هذا الكون.
الميتافيرس يقدم فرصاً هائلة في مجالات عديدة. على مستوى التعليم يوفر بيئات تعليمية تفاعلية تحاكي الواقع، مما يجعل التعلم أكثر متعة وفاعلية. في مجال العمل يُتيح تنظيم اجتماعات ومؤتمرات افتراضية وكأنك داخل نفس الغرفة مع زملائك. أما في الترفيه فهو يفتح أبواباً لعوالم ألعاب وتجارب اجتماعية لم تَكُن ممكنة من قبل. كما يخلق فرصاً اقتصادية جديدة مثل بيع وشراء الأراضي الافتراضية، وتصميم الملابس الرقمية، وحتى إنشاء أعمال تجارية بالكامل داخل الميتافيرس.
للدخول إلى الميتافيرس تحتاج إلى عدة أدوات وخطوات. أولها هو إمتلاك جهاز يدعم التجربة، مثل الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، مع إمكانية استخدام نظارات الواقع الافتراضي (VR) للحصول على تجربة غامرة بالكامل. بعد ذلك تختار إحدى منصات الميتافيرس المتاحة، مثل Horizon Worlds من ميتا أو Decentraland أو The Sandbox، ثم تنشئ حساباً وشخصية افتراضية تُمثّلك. بمجرد الدخول يمكنك استكشاف المساحات الافتراضية والتفاعل مع الآخرين والمشاركة في الفعاليات، وحتى بدء مشاريع رقمية داخل هذا العالم.
مستقبل الميتافيرس يَحمِل الكثير من الاحتمالات المثيرة. مع استمرار تطور التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وتقنيات البلوك تشين، ستصبح التجارب داخل الميتافيرس أكثر واقعية واندماجاً في حياتنا اليومية. من المُتوقع أن يصبح الميتافيرس بيئة رئيسية للعمل والتعليم والتجارة والترفيه، وقد يؤدي إلى ظهور وظائف جديدة بالكامل مرتبطة بالإقتصاد الرقمي داخل هذا العالم. ومع ذلك يظل نجاحه مرهوناً بحل التحديات التقنية والأخلاقية المتعلقة بالخصوصية والأمان وحقوق المستخدمين.